"هل كنتِ تنوين القفز حقا؟"
سؤال غريب.
أنا أقف على سور جسر شاهق. أرى انعكاس صورتي يتموج على صفحات الماء..
أستند على عمود قديم لا يختلف كثيرا في خدوشه عنى، وأصابعى توازن بين التشبث والإفلات..
أتململ على السور... قدم ثابتة، وقدم تفكر في الاستسلام..
وتأتي أنت وتسألنى هل كنت أنوى القفز حقا؟
ماذا سيعنيك إذا عرفت الإجابة؟
ماذا لو قلت "نعم كنت سأقفز فعلا"؟
هل ستسجل في دفترك الصغير أن حالتى خطيرة وأنه يجب أن أسجن في مصحة؟
هل ستبدأ في وصف الحبوب التي يجب أن أتجرعها يوميا على أمل أن تخلصنى من جنونى؟
هل سترغمنى علي الجلوس في دائرة مع مرضى آخرين يحكون تجاربهم وتحاول أن تقنعنى أن حياتى ليست بهذا السوء؟
هل ستختلف نظرتك لى؟
لماذا؟
لأنى لا أخشى الموت أكثر ما أخشى الحياة بذاتها؟
لأنى لم أتعلق بهذه الدنيا وهذه الجثث من حولى كما تعلقت بها أنت؟
لأنى مللت من عدم قدرتى على التفرقة بين اليوم والأمس؟
لأنى لم أعد أنتظر شمس الغد أن تشرق لأنى أعلم أنها ستغيب ككل يوم بلا فارق؟
إذا دعنى أقل لك أنى لا أهتم إن كنت سترانى مجنونة..
فأنا لا أراك عاقلا في الأساس.
فلا عاقل يختار أن يتمسك بهذه الحياة عن طيب خاطر.
وأنا لا أريد هذه الحياة.
هل كنت أنوى القفز حقا؟
كنت أريد أن أقفز...أكثر من أى شئ.
فالصفعة لن تأخذ أكثر من دقيقة.
يد تتمسك بعمود مهترئ..وقدم تتعلق في الهواء.
نسمات هواء تصافح وجهى..للمرة الأخيرة.
يد تودع العمود..وقدم تسحب جسد فارغ ورائها.
أغلق عيني..وأشعر بثقل الارتطام.
ثم أشعر بلسعات الماء البارد تحتضن جسدى.
ودوامات تأخذنى معها للأعماق.
ومخزون الهواء يتطاير من رئتى، ومع كل فقاعة هواء يتلاشى جزء منى.
كنت أظن أنى سأقاوم..إذا لم يكن بروحى..فبجسدى، لكن كل خلية فيه استسلمت منذ زمن بعيد.
أفتح عيني..
ظلام..
أهو ظلام القاع؟
أم ظلام قلبى؟
أم ظلام الموت؟
%20(25).jpeg)